أ. عبدالله يحيى الجفري

أول مدير عام للجوازات والجنسية في المملكة

السيرة الذاتية

ولد في مكة المكرمة عام 1344هـ، ونشأ بها يتيما لأن والده توفى وعمره لم يتجاوز الخمسة أعوام، وكان وحيد والده؛ لأن أخوته الثلاثة جميل ومحمد وعمر بالإضافة إلى ابنتين أصيبوا بمرض الجدري، الذي كان منتشرا في ذلك الوقت مما أدى إلى وفاتهم؛ ولأن وسائل العلاج كانت بدائية تعتمد على الوصفات الشعبية، ولم يبق له وقتها إلا أخت من أمه من زوج سابق، وعلى الرغم من أنه تعرض للمرض لكن أكرمه الله بالشفاء، وعندما أحس والده بدنو أجله أوصى ابن عمه بأن يكفله لأنه كان خائفا على مستقبله، لأن والدته على شفا الموت، فوالدته من قبيلة مطير. وفي الحرب العالمية الأولى آثر جده لأمه عوض المطيري أن يجنب زوجته وأولاده وبناته مسائل السلب والنهب أثناء الحرب فأراد أن ينقلهم إلى مكان آمن، فتوجه بهم إلى المدينة المنورة، وعاد إلى باديته لرعي ماشيته، ومع حصار الشريف حسين ملك الحجاز آنذاك للمدينة المنورة، أعلم حاكم المدينة العسكري التركي (فخري) أهل المدينة بأنه لا يستطيع أن يؤمن لهم الإعاشة ، وأن عليهم الخروج منها لأن المواد التموينية لا تكفي إلا للجيش فقط، فخرج زوج والدة الجفري بزوجته مشيا على الأقدام، إلى أن وصلوا إلى مقر جيش الشريف والذي بدوره أعانهم وساعدهم وأوصلهم إلى ينبع ومن ينبع ركبوا الباخرة إلى جدة ومن جدة وصلوا إلى مكة المكرمة، حيث بقيت بعيدة عن أهلها الذين لم يعلموا وجهتها.

معيشته لدى ابن عمه

كان تعامل ابن عم الجفري أبويا حانيا وأكرم الله ابن عمه هذا بصديق ساعده على كفالته ورعايته فكان ابن عمه يتولى السكن والنفقة والتوجيه والتربية، وصديقه هذا يتولى دفع مصاريف الجيب والمدرسة والملابس، لأنه كان عقيما فرغب أن يساهم في تربيته دون أن يخبر أحدا بذلك، ويقول الجفري عن ذلك “ولازلت مدينا لهما ومعترفا بفضلهما علي

خلافا لضيق ذات اليد، كان أهل مكة يعيشون كعائلة واحدة يحكمها التعاطف وسمو الأخلاق والاحترام فكان إذا غاب أحد يسارع أبناء الحارة لتفقده، وكانت الشوارع والمنازل بدائية، ومن شدة تعاطف الناس مع بعضهم، كانوا يسمحون للجار بأن يبني فوق منزل جاره.

مشواره الدراسي

كما هي عادة أبناء ذلك الجيل، بدأ عبدالله الجفري الدراسة في الكتاتيب، وتحديدا في كتاب الشيخ عبدالحي غندورة في مكة المكرمة، وكان يحفظه القرآن الكريم، ثم التحق بمدرسة حكومية هي المدرسة العزيزية الابتدائية في حارة الشامية شمال الحرم المكي، وكانت الدراسة في الثلاث سنوات الأولى تسمى بـ«التحضيرية» ينتقل الطالب بعدها إلى المرحلة الابتدائية في الثلاث سنوات الأخرى التي تلي التحضيرية، وتناوب على إدارة المدرسة في الفترة التي كان يدرس فيها كل من الشيخ محمود يغمور وكان رجلا صالحا حازما ثم الأستاذ عبدالله الساسي ثم الأستاذ السيد علوي شطا، ومن الأساتذة الشيخ حسن الأهدل الذي أصبح قاضيا فيما بعد في المحكمة المستعجلة الأولى، والأستاذ علي جعفر وصالح كاشف والأستاذ الشيخ عباس أشعري، وكان يجعل لهم دروس تقوية في المسجد الحرام مجانا، وكذلك الشيخ محمد نور جماوي والأستاذ محمد علي يماني وكان يدرسهم مادة القرآن الكريم وهو عم معالي الشيخ أحمد زكي يماني.

وبعد المرحلة الابتدائية انتقل إلى مدرسة تحضير البعثات «ثانوية الملك عبدالعزيز حاليا» وهي الثانوية الوحيدة على مستوى المملكة، وكانت تضم جميع أبناء المملكة الذين يرغبون في دراسة هذه المرحلة، فكان الطلاب الذين يدرسون في هذه المدرسة من خارج مكة يبقون في القسم الداخلي في المدرسة، حيث ينامون وتقدم لهم الوجبات الثلاث.

من زملاء الدراسة

– معالي الأستاذ عمر عبدالقادر فقيه الذي كان وزير دولة وعضو مجلس الوزراء ورئيسا لديوان المراقبة العامة ووكيلا لوزارة التجارة كان يربطه بالمترجم له وبإخوانه الشيخ عبدالرحمن فقيه والأديب محمد عبدالقادر فقيه، صداقة قوية وتزاور في المناسبات
– معالي الشيخ كمال ادهم الذي كان مستشارا للملك فيصل.
– 
الدكتور أحمد داغستاني الذي أسس مستشفى الداغستاني في جدة.
– 
والدكتور عبدالعزيز كردي وأخيه الدكتور عبداللطيف كردي.
– 
عبدالله أركوبي.
– 
شمس الدين الفاسي.
– 
معالي الشيخ عبدالعزيز مدرس الذي تولى بعد ذلك رئاسة جمعية الهلال الأحمر السعودي.
– 
أحمد شطا الذي أصبح وزيرا للتجارة حيث كان معه ولكن في مرحلة دراسية متقدمة.

مميزات الدراسة في ذلك الوقت

كانت هذه المدرسة تحضر طلابها في القسمين العلمي والأدبي لابتعاثهم لمواصلة تعليمهم الجامعي في مصر، وكانت البعثات آنذاك محصورة في هذا البلد، وتخرج منها أطباء ومهندسون ومدرسون وغيرهم وكان يُدرِّس المترجم في هذه المدرسة الأستاذ عبدالله عبدالجبار ومعالي الشيخ إبراهيم السويل وزير الخارجية السابق والأستاذ حسين فطاني الذي أصبح سفيرا للمملكة فيما بعد والأستاذ عمر عبدالجبار والأستاذ محمد بخش وهو والد معالي الفريق محمود بخش، وكان معه سالم سنبل الذي كان مديرا للمراسم الملكية و عبدالله أركوبي وهو الآن طبيب وعبدالعزيز أركوبي وصالح أبو العلا.

ولكن للأسف لم يكمل عبدالله الجفري المرحلة الثانوية ولم يتخرج منها؛ وذلك لأنه كان وحيد أمه بعد رحيل والده ولأنها لم تجد أسرتها، شكل ذلك لها هاجسا جعلها ترفض أن يكمل تعليمه، فقد كانت تشعر بالغربة وأن ليس لها أحد غيره بعد الله، وعندما أخبرها بأنه سوف يذهب إلى مصر بعد التخرج من مدرسة تحضير البعثات، أسوة بزملائه، بكت بحرقة ورفعت يديها للسماء ودعت قائلة: «يارب لا تبلغه النجاح» كي أبقى عندها ولا أسافر وكانت تدعو بإلحاح ليل نهار، وسمعها المترجم له تدعو قائلة: «يا رب هذا ابني ليس لي أحد غيره بعد الله، فقدت الأب والأم والإخوان، يا رب لا تمكنه النجاح» وكان كلما حاول أن يقنعها أن تدعو له بالنجاح، ترفض لأنها لاتريده أن يبتعد عنها وتخشى أن يصاب بمكروه هناك فتبقى هي وحيدة لا أهل ولا ولد.

واستمرت على هذا الحال إلى أن استجاب الله دعاءها؛ حيث تعرض عبدالله الجفري لظرف قاس فقد توفي صديق ابن عمه في حادث سيارة والذي كان ينفق عليه، كما توفي زوج والدته، وكان وقتها في الصف الرابع الثانوي لأن المرحلة الثانوية تلك الأيام كانت خمس سنوات، وبسبب هذه الظروف أكمل في مادتين لأنه كان دائما يفكر فيمن يعول والدته، وبعدها قرر أن يترك الدراسة ويخرج إلى ميدان العمل. يقول الجفري في ذلك: “والحمد لله على كل شيء صحيح أنني لم أواصل دراستي الجامعية لكني كسبت رضا والدتي وحقق أبنائي وبناتي ما لم استطع تحقيقه في مجال التعليم فبعضهم يحمل الماجستير وبعضهم الدكتوراه واعتبر ما نلته من خير فيما بعد هو بسبب إرضائي لوالدتي“.

مسيرة العمل

ساعده في الحصول على العمل الأستاذان أحمد وصالح محمد جمال وكانا على اطلاع بظروفه، يقول عبدالله الجفري في ذلك: “في أحد الأيام جاءني الأخ صالح جمال وكان وقتها يعمل مأمورا لمستودع الأمن العام، يخبرني بأن هناك وظيفة في الأمن العام في مكة، وأن شرط التعيين عليها هو الحصول على شهادة الابتدائية فقط ثم مقابلة يتبعها اختبار، فكتبت معروضا وذهبت به إلى مدير الأمن العام أطلب فيه التعيين على هذه الوظيفة، فسألني سكرتير مدير الأمن العام واسمه محسن حواري قائلا: ما هي الشهادات التي تؤهلك لهذه الوظيفة؟ قلت: مكمل في الصف الرابع الثانوي، فطلب مني شهادة من مدير مدرسة تحضير البعثات تثبت أنني مكمل، فذهبت للمدرسة وأحضرت الشهادة فأخذها مني، وقدمها لمدير الأمن العام حينها مهدي الصلح الذي كان في إجازة وكان يقوم بعمله السيد طلعت وفا، وعندما دخلنا عليه شرح له بأنني أحمل شهادة السنة الرابعة الثانوية، فقال له «هذا لا يحتاج إلى اختبار عينه مباشرة»، وعينت على وظيفة كاتب صادر ووارد ومأمور أرشيف، براتب 130 ريالا، وكانت هذه الوظيفة بشرى سارة لي جعلتني أبحث عن منزل لوالدتي في حي أجياد في مكة، وحدث أمر غريب حيث استأجرت هذا البيت بمبلغ سنوي قدره 500 ريال، وحينما ذهبت لصاحب المنزل واسمه الشيخ أحمد حافظ لأسلمه مبلغ الإيجار قال لي: «مبروك ما دخل هذا المنزل مستأجر إلا وخرج منه إلى منزل ملك». فاستغربت من كلامه، لأنني بالكاد أدفع الإيجار، ولكن الله أكرمني بأن تحقق ما قال، وأعطاني بدلا من المنزل الواحد منازل وأغدق علي الخير الوفير.

ومن كرم الله علي أن يكون رئيسي في القسم العدلي وهو ما يعرف الآن بقسم المباحث الجنائية، الشيخ صالح محمد باخطمة وكان عسكريا وشاعرا مجيدا، وسار ابنه محمد والذي أصبح سفيرا في وزارة الخارجية على نهجه في مجال الشعر، وكان الشيخ صالح تقيا نزيها، بل كان اسما على مسمى فهو يعمل أكثر من وقت الدوام وكانت لديه قضايا خطرة جدا كالقتل والسرقة والمسكرات والمخدرات والمخالفات الشرعية، ومجموعة من الموظفين، وعندما وجدني قد أجدت في كتابة الصادر والوارد، أسند إلي دفتر الكفالات والتعهدات إلى جانب عملي، ثم أخذ بعد ذلك يدربني على التحقيق في بعض القضايا الخفيفة كقضايا الدين، ورأى أن أساهم في قضايا التحقيق ثم سلم عملي لموظف آخر، وبدأ يسلمني قضايا التحقيق وتدرجت إلى أن أصبحت أحقق في قضايا القتل والسرقات، وغيرها من القضايا الحساسة والخطرة إلى أن عينت محققا جنائيا وأكسبني هذا العمل شهرة في أوساط مكة، ثم أصبحت رئيسا لقسم القلم الإداري بعد أن تم ترقيتي، فكان هذا أول عمل رئاسي لي فأصبح لدي موظفون للصادر وللوارد وللأرشيف ومأمور للأقساط مهمته تقسيط المبلغ على المعسر الذي عليه دين للآخرين بعد أن تقرر المحكمة المبلغ والمدة ليسلم لصاحب الحق، ومأمور للسجن وكنت أرأس كل هذه المجموعة.

انتقاله لوزارة الداخلية

يتحدث عبدالله الجفري عن ذلك قائلاً: “في تلك الأيام كانت هناك ثلاث وزارات فقط هي وزارة المالية والخارجية والدفاع، وعندما صدر مرسوم ملكي بتأسيس وزارة للداخلية ووزارة للصحة، أسندت الوزارتان لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل فوجدتها فرصة أن انتقل لوزارة الداخلية، خاصة أن جميع أعمال الأمن العام ستكون مرتبطة بالداخلية، فتقدمت إلى وزارة الداخلية بتشجيع من الصديق الأستاذ أحمد محمد جمال وكانت الداخلية في بداية تأسيسها مرجعا للتعليم وللبلديات وللأوقاف وللأمن العام والبريد وكأنها أم الوزارات، فأخذت بنصيحته وذهبت للشيخ محمود أبار رئيس ديوان وزارة الداخلية، وأذكر أنه قال لي إن هذا الرجل لا يحتاج للواسطة فهو بحكم خبرته وفراسته يدرس الشخص فإذا وجد فيه الكفاءة يعينه أو ينقله، وعندما أردت الدخول عليه وجهني حارسه العم أحمد عدني بمقابلة مدير الأوراق المرحوم السيد أمين رضوان، وعندها هممت بالعودة أخذ أحمد جمال بيدي وأعادني، وقال له: يا عم أحمد مكن السيد عبدالله بالدخول، فاستجاب وفتح لي الباب ودخلت عليه، وكان ذا هيبة، وبعد أن استفسر مني وعن طلبي، شرحت له أنني صاحب اختصاص في الأمن العام، فقال لي: وهل الأمن العام يوافق على نقلك للداخلية، قلت: لا لن يوافق، قال: إذن ما العمل؟ قلت: أقترح أن يصدر أمر وزير الداخلية بنقلي، فجاء رده صارما: هل نخرب بيوت الناس لنصلح بيوتنا؟ قلت: إذن ما الحل؟ قال: دعني أفكر.

وبعدها انتهز فرصة حضور مدير الأمن العام اللواء علي جميل لوزارة الداخلية وكان يحضر يوميا لمقابلة الوزير فطلب منه نقلي باعتبار أنهم في مرحلة التأسيس وعندما قابلت الشيخ محمود أبار بادرني بالسؤال: هل بلغك الأمن العام؟ قلت: أبدا لم يبلغني شيئا، قال: اذهب وراجع مدير الأمن العام وقل له أن الداخلية طلبتني لأننا أبلغناه، فإذا بالأستاذ حسين عرب يتصل بي هاتفيا وكان وقتها سكرتيرا لوزارة الداخلية، ويطلب مني أن أفاتح مدير الأمن العام بالأمر، وكنت في غاية الحرج لمعرفتي بكرم اللواء علي وأخلاقه وفضله ومحبته وثقته بي فسلمت عليه، وأعلمته بأمر الاتصال، فقال لي: يا سيد عبدالله باشر عملك لم أكن لأقف حجر عثرة في طريقك ومستقبلك.

وتعينت مساعدا ثانيا لإدارة شؤون الأجانب في الجوازات والجنسية في وزارة الداخلية، براتب 385 ريالا وكانت مفاجأة وفرحة كبيرة لي حيث كان راتبي في الأمن العام 290 ريالا“.

تعيينه مديرا للجوازات والجنسية

كلف وزير الداخلية الأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز، رئيس بلدية الطائف عبدالمحسن المهنا بشغل منصب مدير عام الجوازات لمدة ثلاثة أشهر معارا من بلدية الطائف، ثم تم التجديد له ثلاثة أشهر أخرى قبل أن يعود لعمله الأصلي، وأثناء ذلك حدث تشكيل وزاري أصبح فيه الأمير فيصل بن تركي وزيرا للداخلية، ورفع السيد عبدالمنعم عقيل تقريرا عنه لوزير الداخلية، رشحه فيه لمنصب مدير عام الجوازات والجنسية، وتمت الموافقة عليه، فصدر الأمر السامي الكريم بتعيينه أول مدير عام للجوازات والجنسية في المملكة يوم 1/7/1382هـ وكان سمو الأمير فيصل بن تركي قد تقدم بترشيحه لمجلس الوزراء.

أول اعماله في الجوازات

كانت جميع الجوازات في مبان مستأجرة فأسس مبنى لجوازات الرياض، ومبنى لجوازات جدة، وقد حول عددا من مباني الجوازات المستأجرة إلى مبان مستقلة في عدد كبير من مدن المملكة، وساهم في تعليم عدد كبير من الموظفين في الجوازات اللغة الإنجليزية على أيدي أساتذة من بريطانيا، ومن الأعمال التي يعتز بها أنه استطاع أن يدخل الكومبيوتر في الجوازات واستعان بخبراء من لبنان لتعليم الموظفين طريقة استخدامه.

في ذلك الوقت كانت الجوازات تقوم بعمل الجوازات حاليا والأحوال المدنية معا فتصدر الجوازات والإقامة ومنح تأشيرات الخروج والعودة، ووثائق الهوية.

التقائه بالملك فهد رحمه الله

يصف الجفري خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بعد أن أصبح وزيرا للداخلية، بأنه: “كان حريصا على العمل فكنت اجتمع به في كثير من الأحيان عدة مرات في اليوم الواحد، وتميز بحلمه وسعة صدره ورأيه السديد وقدرته الفائقة على متابعة مشاكل المراجعين وحلها“.

تواضعه

في أحد الأيام حينما كان في الرياض دخل عليه أحد المراجعين وعندما شاهده ارتبك كثيرا وتلعثم وأخذ يعتذر منه، فطلب منه أن يهدئ من روعه، ولم يكن سوى الرجل الذي يشتري منه أغراض البقالة بنفسه في السوبر ماركت، فقال إنه يعتذر عن فظاظته معه عندما كان يشتري منه لأنه لم يكن يعرفه!

اختياره رئيسا لبلدية جدة

رشحه لذلك خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز عندما كان وزيرا للداخلية وهو الذي اختاره لهذا المنصب، فقد كانت البلديات تتبع لوزارة الداخلية وكان هذا المنصب مكافأة له على جهوده في تطوير قطاع الجوازات.

يصف الجفري ذلك الوقت: “كانت شوارع جدة تعج بالفوضى والمناظر غير الحضارية فنقل البضائع في الغالب يتم بالعربات التي تجرها الحمير (الكارو) وكذلك عربات الماء (البراميل)، إضافة لمشكلة تراكم القمائم والمخلفات، والكلاب المنتشرة بشكل كبير، ومن أجل ذلك أوقفنا هذه العربات واستبدلناها بالدبابات ولجأنا لحرق القمائم، وأنشأنا قسما للنظافة الليلية وتم القضاء على ظاهرة الكلاب المنتشرة وقتها، وتم استبدال الأكشاك الخشبية بأكشاك الألمونيوم، أما بالنسبة للمشاريع فبدأنا ذلك الوقت بمشروع مجاري جدة ومد خطوط التصريف إلى جنوبها، حيث تم شق قناتين لدرء أخطار السيول القادمة من خارج جدة تمتد الأولى من شرق المدينة إلى غربها من أمام سوق جدة الدولي حاليا، والثانية من الشرق إلى الجنوب إلى البحر.

وتزامن عملي مع استضافة جدة الاجتماع الأول لوزراء خارجية الدول الإسلامية في عهد الملك فيصل فكان لزاما علينا القيام بأعمال كبيرة لتنفيذ الخدمات والمرافق المحيطة بقصر الحمراء، وكذلك عملنا على إنشاء منطقة الحمراء، ونزع ملكيات أراضي شرق ميدان البيعة وأمام فندق البيعة وحول بحيرة الأربعين جنوب محطة سامي كتبي وأمام فندق جدة بالاس، بهدف إنشاء مبنى للبلدية، وتم في ذلك الوقت إنشاء حديقة الشعراء شمال ميدان البيعة وتوسعة شارع أبها ليربط الكندرة بشارع المطار بمعنى أننا ربطنا الشرق بالغرب وشارع السبيل بعرض 30 مترا، وتوسعة شارع جنوب المطار القديم ليصبح باتجاهين وتوسعة شارع فلسطين، من ناحية السفارة الأمريكية وتمت إزالة المباني العشوائية هناك، وكذلك المنتشرة في كيلو3 و4. وفتحنا حديقة شارع خزام، وبوجه عام كانت عملية تطوير المدينة تسير على قدم وساق وبمتابعة من ولاة الأمر حتى شملت في الفترة التي كنت فيها أكثر من 23 حيا وشارعا. وخططنا لإنشاء أحياء خارج النطاق العمراني المحدود حينها ومنها حي الروضة شمال غرب جدة، وحي الطيارين في الشمال، وسعينا للمحافظة على تراث جدة ومبانيها عبر استقدام عدد من المهندسين الخبراء.

ومن المشاكل في تلك الفترة ان «الأتاريك» هي التي تضيء بعض الشوارع وتطفأ عند منتصف الليل، وعانينا من تعديات بعض الموطنين على الأراضي بصورة مقلقة، فقد كانوا ينتهزون الفترة المسائية ويأتون بقلابات مليئة بالأسمنت وأخرى محملة بالطوب والشبابيك والأبواب الخشبية، وبعمال ومجموعات كبيرة جدا من الأهالي، ويبدأون العمل من بعد المغرب، حتى الفجر حتى يكتمل المنزل فيأتوا بالعائلة والأطفال لإسكانهم فيه، وحينما يأتي مراقب البلدية لا يجد سوى النساء والأطفال!”

ويذكر الجفري أيضاً: “كانت ميزانية البلدية حينهاخمسة ملايين ريال تقريبا وعدد الموظفين حوالى 170 بما فيهم عمال النظافة، وكنا نشرف على نصف جدة حاليا، ولم تكن الميزانية تكفي وقد استعنت بوزير الداخلية حينها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ، ودعمني بمبلغ إضافي“.

بعد التقاعد

أسس عبدالله الجفري شركة طبية تختص باستيراد الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية والمكملات الغذائية، وبيعها بالجملة، وشركة أخرى تختص في استيراد العطور وأدوات التجميل وبيعها بالجملة.

المصدر

جريدة عكاظ –  حوار محسن المغربي

كن أول من يترك تقييم إلى “أ. عبدالله يحيى الجفري”