الشيخ يوسف بن علي خشيرم
السيرة الذاتية
هو الشيخ يوسف بن علي بن خزام بن خشيرم الشطيري الجهني
رجل أرومته من بادية الحجاز تربى آبائه بين البوادي حيث عزوتهم وقبيلتهم وجذورهم , ونشأ وترعرع في المدن حيث الثقافة والحضارة وأداء الدور الانساني , فجمع بين الخشونة من غير تفريط وبين النعومة من غير إفراط فكان زعيماً من زعماء المدينة في الثورة العربية الكبرى , وأحد أشهر رجالها المؤتمنين الذين خلدوا سيرتهم بأعمالهم المشرفة .
مولده ونشأته
ولد الشيخ يوسف خشيرم بالمدينة المنورة في زمن الدولة العثمانية سنة 1292هـ , وحينما بلغ سن التعليم ألحقه والده بكتاب الشيخ ابراهيم الطرودي بالمسجد النبوي الشريف , ثم ألتحق بحلقات الدروس في المسجد النبوي الشريف فدرس بعض مبادىء النحو والفقه , وأدرك شيئاً من العلوم فأصبح يجيد الكتابة وله معارف في علوم شتى , واتجه للعمل مع والده في ادارة شئون التجارة والزراعة والفلاحة .
وصفه
قال الكوماندر دافيد جورج هوغارث حينما وصف أهم الشخصيات الحجازية في زمن الثورة , فقال عنه : مكتنز الجسم متوسط الطول ، شكله ساميّ بدرجة مفرطة ، لديه روح الفاكهة ، كفؤ وعملي .
الخشيرم وتعليمه الحسابي
ادرك والده الشيخ علي بن خزام خشيرم اتجاه التعليم عند أبنه الوحيد الشيخ يوسف فعلم ان لهذا الأبن توجه سيجعل منه رجلاً مميز في زمانه , فلم يكن يعلم ان ابنه يوسف من أولئك الابناء الذين سوف يأدون دورهم ورسالتهم في المسجد بالقاء الدروس بل انه سوف يكون له مجال اخر يؤدي به رسالته في المجتمع وهي تلك النظرات الثاقبة من أولئك الاقوام , فأحضر له معلماً خاص في منزله ليعلمه الخط والحساب لما وجد من دقة ابنه في المسائل الحسابية وبالفعل تعلم الشيخ يوسف أمور الحساب فكان من المدنيين البارزين في السوق , فقد كان يلجأ له الكثير من أبناء البادية لسؤاله في أمور التقسيم والتوزيع , فكان رحمه الله يقوم بالجرد ومسك الدفاتر , ويعتبر الشيخ يوسف من أوائل من اهتم بعلم الحساب حيث ان الدولة العثمانية كانت تدير تلك الامور الحسابية في السوق عن طريق موظفيها من المحتسبين وأصحاب دفتر الخزينة , فقد كان الشيخ يوسف لا ينتسب الى وظيفة رسمية بل ان صلته بأهل السوق تجعله ينظم الكثير من الامور المالية .
الخشيرم وكيلاً للخديوي
لقد برز الشيخ يوسف بين أقرانه فأشتهر بأمانته وحكمته وحنكته وكان على علاقة وطيدة بكثير من الشخصيات الخارجية , ومن أشهر من كان له صلة به الخديوي اسماعيل حاكم مصر والذي عينه وكيلاً عنه في الحجاز .
الخشيرم وصلته بالشريف الحسين
ان المتتبع للاحداث التاريخية في المدينة المنورة في أواخر العهد العثماني وظهور الاتحاديين يدرك تماماً أنه كان هناك الكثير من الأحرار قد تذوقوا مرارة ظلم أعمال الاتحاديين واتجاه مصير البلاد بايدي ستدير البلاد لمصالحها , وهذا أمر لا يقبله الأحرار , وقد توافق الأمر عن تحرك بداية الثورة العربية بشكل سري وكان لها يوما بعد يوم مناصرين في الخفاء في كثير من أنحاء الحجاز , ولا ننسى ان الدور الاقوى للثورة العربية الكبرى كان بالمدينة رغم ان اعلانها كان بدايتة من مكه المكرمة ونكاد نجزم ان رجال الثورة من أبناء المدينة كان لهم الدور الاكبر في تدعيم الثورة , فقد كان الشيخ الخشيرم من أوائل المتصلين بالشريف الحسين قبل قيام الثورة وكان الشريف الحسين يثق في أمانة هذا الرجل الذي كان معروفاً بحكمته وحنكته لدي المدنيين من بادية وحاضرة ، حتى أصبح الخشيرم أحد الأشخاص المقربين للشريف الحسين ووكيل اعماله في المدينة المنورة ونواحيها .
الخشيرم أحد زعامة الثورة الحجازية
وعندما أعلن الشريف الحسين ثورته رسمياً وضجت جنبات الحجاز بقيام الثورة وعرف الأهالي واستوعب الاتراك والاتحاديين ان الامر ليس مجرد هتافات وانه لابد للمكبوت من أنفجار يزلزل به الارض لمن طغى وتجبر وتحرك الاحرار معلنين تضامنهم مع الحسين بن علي , وقد ارتكز الحسين على اشخاص كان لهم الدور الكبير في مساندته , حيث ان أتصالهم كان قديماً قبل أعلان الثورة ولعل هناك أشخاص لا يستطيع كل من كتب عن الثورة العربية الكبرى في المدينة تجاهلهم , وهم رجال لمعة اسمائهم :كالزعيم سعود دشيشة , والشيخ القاضي عمر كردي الكوراني , والشيخ أحمد بن جميعان , والشيخ يوسف خشيرم وغيرهم ، فكلاً كان له بطولته وسجاله فهذا الخشيرم بزعامته وشجاعته يصول ويجول في المدينة مترجلاً فرسه يرافق أبناء زعيم الثورة حينما قدموا الى المدينة الأمراء عبدالله وعلي وفيصل وهو يصحب ركابهم وينشر فكرة ثورتهم ويسعى في مهمتهم بين بادية المدينة وأشرافها الذين يميلون الى الحسين .
الخشيرم وزيراً لمالية الثورة
وعندما نشبت الثورة العربية الكبرى صحب الشيخ يوسف خشيرم الأمير فيصل , لتولى إدارة المالية وشؤون التموين , وهو منصب وزارة المالية التي تتولى إدارة الشئون المالية من توزيع المرتبات للمتطوعين وصرف المنح والأرزاق , وصرف السلاح وتوزيع الذخيرة , حيث ان صناديق الذهب كانت ترد منزلة بالوجه تنقل للحسين عن طريق ديوان ابنه فيصل من البوارج الانكليزية , فيقوم الخشيرم بتنظيم صرفها وتوزيعها الى المتطوعين من رجال الثورة .
الخشيرم مدني أصيل صاحب نزاهة
قام الرجل بأعماله بكل نزاهة وأخلاص فقد كان همه الأكبر هو التخلص من سياسة الظلم والطغيان آنذاك ,والحرص على ان تستقر البلاد تحت مظلة حكم عادل حر , فقام بعمله بكل جدارة وتفاني , ولو اراد ان يتمول من مال الثورة او يغل لترك أمولاً طائلة واستفاد كم استفاد غيره ولن يحاسبه أحد فالأمر كله بيده , إلا ان الرجل كان تقياً يخاف الله اهلاً للامانة مثلاً للنزاهة , حافظ على كرامته ونهى نفسه عن الهوى ليلقى ربه بقلبٍ صادقٍ امين فلم يخلف من خلفه الا السيرة الحسنة .
الخشيرم عاش كريماً ومات غريبٍ
وعند أنتصار الثورة صاحب الملك فيصل بن الحسين الى الشام ثم الى العراق , وهذه صفات أهل الوفاء لا يتخلون عن أصدقائهم لآخر حياتهم , وبقي مع الملك فيصل في عهد ملكه للعراق وبقي فيها , وعاش في بغداد عيشة الكرماء من غير ترفً حتى ان العفو قد اتاه للعودة الى وطنه الحجاز الا انه قد تقدم به العمر فبقي حتى وافاه اجله المحتوم سنة 1352هـ , وهو ابن ستون عاماً فقد عاش كريماً يدافع عن وطنه ومات غريباً عن وطنه , إلا ان غربته كانت غيابه بجسده إلا ان اثره بقي إلى ما بعد وفاته الى يوماً هذا , فلن ينسى تاريخ هذه الأرض الطاهرة وترابها مسيرة وفداء أولئك الأحرار فرحمة الله عليه رحمة الابرار .
المصدر
أنس الكتبي : مخطوط أعلام المدنيين
أحمد مرشد : المدينة المنورة المكانة والتاريخ , ص136