الشيخ سعود بن أحمد دشيشة
السيرة الذاتية
هو أبو السعود بن أحمد بن محمد أبوالسعود دشيشة البزاز والمعروف بالشيخ سعود دشيشة ويكنى أبو أحمد.
اسرته:
أسرة الدشيشة هي من الأسر المدنية المشهورة والمعروفة ثابتة القدم، قدم جدهم محمد جمال اللوبيا الهندي البزاز المدينة سنة 1060هـ، قال عنهم الأنصاري في تحفته : بيت البزاز نسبة إلى بيع البز ومن أشهرهم محمدجمال اللوبيا الهندي قدم إلى المدينة في حدود سنة 1060هـ، وكان صاحب ثروة, وكان رجلاً كاملاً، وتوفى في حدود سنة 1090هـ، وقال : ويعرف هذا البيت اليوم ببيت دشيشة. وتتبعهم الحجار في مختصره بقوله بيت البزاز كان منهم أناس كثيرون انقرضوا وبقي منهم حسن دشيشة الصائغ، ومنهم محمد أبو السعود الدشيشة.
اقول :وهم يعرفون حتى اليوم ببيت دشيشة إلا أنهم قله ,ولقب الدشيشة سببه: أن الخطيب عبد الرحمن مغلباي وهو ابن خالة جدهم محمد جمال اللوبيا كان إذا خطب يسرع في الخطبة إسراعاً كليا فسماه العامة دشيشة والتصق الاسم بقرباته آل البزاز، كما ذكر ذلك الأنصاري في تحفته.
ومنذ سنوات مضت وانقضت حيث كانت بدايتي في الكتابة عن أهل المدينة ورجالاتها, ومن بين مجالسة المعمرين الذين أدركتهم والتقاط أحاديثهم في الذاكرة وسرد أسماء الرجال فكان اسم دائم التكرار، ألاوهو سعود دشيشة رغم أن الرجل لم يكن من العلماء والخطباء، ولكنه كان بطلا شجاعا صاحب حجة وبيان لاتأخذه في الحق لومة لائم، فكم تلك المواقف البطولية له والتي دونت في اذهان الرجال,وكنت استعجب حينما أراهم يتكلمون عنه ممن راؤه أو سمعوه عنه ولا أنسى العم المعمر عمر بن حمزه قرطلي ، الذي أدرك سعود دشيشة وهو أكثر من سمعت منه، فكان يحد ثني عنه وأرى في حديثه الإعجاب وكأنه يقول في طيات كلامه أنك لن تجد رجل اليوم مثل سعود دشيشة أو أنك ياأنس لاتعرف سعود دشيشة؟، وغريب أنك لاتعرفه! ومن أنت حتى تسأل عن سعود ؟، وماذا تريد بمعرفة سيرته وتاريخه ؟، فازداد شغفي لمعرفة سيرة ذلك الرجل، فعلمت أن ذلك الرجل مثال المدنيين المخلصين لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابنها البار وإنه مثال ومضرب مثل لرجالات المدينة فحدَثني من يقول كنت أرى سعود مترجلا على فرسه يصول ويجول وعليه علامات الهيبة والشجاعة وحدثني من قال رأيت سعود دشيشة يدفع الظلم عن أهل المدينة، وحدثني من يقول رأيته خرج من بيته في العنبرية يدافع عن الرجال أمام أمير المدينة آنذاك ويوقف بطشه كل ذلك أثار انتباهي ولم أجد نفسي إلا حريص على معرفة سيرته لانه من أهل الحق، والحق يعرف بأهله، وأيم الله لم أجد من يذمه، ولكني وجدته من ناصري المظلومين واقترن اسمه مع المدافعين عن تراب المدينة المنورة، فأين أهل الحجاز، وأين أهل المدينة، أمثال سعود ومن غيبهم، ومن منعهم، ياليت في المدينة اليوم مثل سعود دشيشة، ذهب سعود إلى جوار ربه وبقي ذكره الخالد وما جمعت عنه إلا القليل لعلي وأنا ابن المدينة والحجاز أقدم ترجمته وفاءاً له فهو من رجالاتنا الأحرار.
اقول : هذه دهلزة تاريخيه ومنها أكمل.
مولده:
ولد سعود بالمدينة المنورة سنة 1289هـ وتلقى تعليمه على يدي علماء المسجد النبوي الشريف ولكنه لم يقف في صفوف العلماء والخطباء فإنه قد اوجد نفسه في صفوف الزعماء.
حياته وأعماله:
شغف سعود بخدمة المدينة وقضاء الحوائج ورد الحقوق وكان لايعرف إلا ان يقول كلمة الحق فأصبح يصلح ما أفسده المفسدين ولعل الصله بينه وبين الزعيم حمزه ظافر كانت دافعاً لهما، وفي تلك الفترة كان الخديوي محمد علي قد أسس في المدينة ممن لهم حكم الزعماء فكانت أربع وجاقات، الأولى : السباهية وهي المقصود بها الخيالة وانتهت إلى سعود دشيشة، والثانية:القلعجية وهم حماة القلعة وانتهت إلى عباس قمقمجي، والثالثة:النوباتشية حماة الأبواب وانتهت إلى عباس برادة، والرابعة : البيرقدارية وهم أصحاب البيرق أو العَلم وانتهت إلى محمد سعيد حوالة، وقد ذكر الزيدان في عهوده بقوله السبهية يعني الخيالة لانها الوجاق الأول من الوجاقات الأربعة وكان سعود دشيشة هو رأس الوجاق السباهي.
مواقفه ومحنه:
لقد كان سعود دشيشة من رجال الدولة العثمانية وأحد أعيانها ,ومن المقربين إلى السلطان عبد الحميد فقد عمل جهوداً كبيره ومواقف بارزة في إيقاف التسيب والفساد الإداري والذي عم المدينة في أواخر العهد العثماني، وعندما ثار الاتحاديون على السلطان عبد الحميد بشعارتهم المقتبسة من الثورة الفرنسية يدعون فيها طلب الحرية بقولهم (حريات، عدالات، مساوات) إلا انهم كان هدفهم الحقيقي هو التتريك وقد فلت الزمام من الحكومة العثمانية، فما كان أمام أهل المدينة إلا الدفاع عن أرضهم، وكان للشيخ دشيشة مواقف كبيره ضد محاولات التتريك التي كان يقوم بها الاتحاديون أعضاء جمعية الاتحاد والترقي ومنها جهوده في اقالة الحاكم أثناء الحصار فقد تعرض للنفي والأعتقال أكثر من مره ولكنه كان يعود من المنفى بقوة أشد مما سبق. وحينما اعلن الشريف الحسين بن على الثورة العربية في مكة المكرمة ونادى بها في نواحي الحجاز كان الدشيشة أحد رجالها البارزين في المدينة المنورة، واتخذ مقره في العوالى مركزاً لاجتماع رجالها فكان أحمد بن جميعان أحد رجال الثورة يزوره ويتلقى من التوجيهات ما يراه من صواب الراي عند الدشيشة وفي أثناء الحصار واشتداد الأمر على أهل المدينة، وبطش فخري وأعوانه من عسكر الجيوش، كان لسعود دشيشة التحرك الكبير في تسهيل خروج أهل المدينة منها فوقف صامداً، أمام قوات الحصار حتى اعتقل ونفي لانه مدني مدافع عن بلده وأحد رجال عبد الحميد المخلصين، وتداورت الأحداث وانتهت الثورة، ووضعت الحرب أوزارها وحالت الأحوال على حالها وعندما انتقل الحكم إلى الملك عبدالعزيزالسعود ودخلت قواته المدينة على يد ابنه محمد كان الدشيشة أحد رجال الوفد الذين قاموا بتسليم المدينة غليه سنة 1344هـ.
الدشيشة عضواً في مجلس الشورى
ونظرا لمكانته وما عرف عن وطنيته وحبه للوطن عين عضواً بمجلس الشورى في أول دوره عقدت له (من عام 1347هـ-1350هـ) وكان يمثل المدينة المنورة ,كما انه عين عضوا بمجلس إدارة المدينة المنورة.
مطالبته بإلغاء الكوشان
الكوشان : كلمه من أصل تركي ويقصد بها الضريبة أو الرسم والكوشان في الحجاز كان مفروض على الأهالي والحجاج، وهو مبلغ يدفع للسفر إلى مكة المكرمة، وآخر يدفع للسفر إلى المدينة المنورة ؛ وهذا الكوشان يشكل دخل اقتصادي قوي للدولة إلا انه غيرمستساغ للأهالي ويشكل عبئ على أهل الحجاز، حيث أن اهل نجد والشرقية لايدفعون كوشان في تنقلهم.
فطالب سعود دشيشة الملك عبد العزيز إلغائها بقوله : إنك قد وحدت البلاد وآخيت بين العباد فلماذا يدفع أهل المدينة كوشان كلما أرادوا العودة إلى مدينتهم حينما يخرجون منها فرفع الملك عبد العزيز عن أهل المدينة الكوشان وفي نفس الوقت تقدم السيد صالح بن أبو بكر بن محمد شطا من أهالي مكة وهو لسان المكيين أيضا وله سيره بطولية عطره بطلب اعفاء أهالي مكة، ومن ذلك اليوم الغيَ الكوشان عن الأهالي وبقي مفروضا على الحجاج إلى ان تم إلغائه في عام 1370هـ.
زهده في المناصب
لم يكن الدشيشة من الرجال الذين يهتمون بالمناصب الحكومية بقدر أنه كان يعيش بين الناس يتحسس آلامهم ويتفهم مشاكلهم ويحب أرضه فكانت داره مفتوحة لاستقبال الناس يفد إليها الوافدون لا يصدهم عن لقائه حاجب وإنما يجدون صدراً رحباً ووجهاً كريماً, وباعتبار المدينة المنورة من المدن الزراعية آنذاك وكثرة زراعة النخيل فيها بدعوة النبي صلى الله عليه واله وسلم، وكان لاعيانها مزارعهم الخاصة ولا نعرف كلمة المزرعة إلا حديثا فكنا نقول البستان أو البلاد، وان مهنة الفلاحة مهنة مدنية أصيله يعمل بها كل الناس فليس هناك كبير يشمخ عن فلاحة ما يملك وكانت لهذه البساتين أو البلدان مسميات وكانت الدوار هي بلاد سعود دشيشة بجذع العوالي وقد أدركتها منذ سنوات اما الآن فهي أرض بيضاء كاحلة، قد اقتلع نخلها ونشف زرعها دخلت منها الشوارع وأصبحت من النواحي العمرانية فقد عاش الدشيشة يفلحها ويزرعها.
وفاته:
وبعد حياة حافلة بالعطاء والجهاد والعمل على قول الحق فكان لكل أجل كتاب فقد وافته المنية بعد وضوئه لصلاة المغرب ليوم السبت 5/شعبان /1351هـ، وأعقب بنتين، فأنقرض عقبه، وبقى ذكره إلي اليوم، وقال لي المعمرون من أهل المدينة أن وكيل إمارة المدينة حينها عبد العزيز بن إبراهيم قال بما معناه (ياأهل المدينة ابكوا فإن رجلكم قد مات) رحمك الله ياأبا أحمد وجعل مثواك الجنة.
المصدر
ترجمة منقولة من مخطوط أعلام المدنيين للشريف أنس الكتبي
المدينة المنورة المكانة والتاريخ :الأستاذ أحمد مرشد , ص 131