الشاعر حمزة شحاتة
السيرة الذاتية
شاعر و أديب سعودي من رواد الشعر الحداثي في الحجاز ، وناثرٌ بمضامين فلسفية عميقة، وخطيب مفوّه بانطلاقات أخلاقية وأفكار نهضوية. وعازف على العود وملحن وموسيقي بارع.
نشأته ومسيرته:
من مواليد عام 1910م، في مكة، وحيث كان الشحاتة يتيم الأب فقد نشأ وتربى في جدة لدى جاره العم والمربي محمد نور جمجوم، درس في مدارس الفلاح النظامية في جدة وكان متفوقاً في درسه ومتقدماً على سنه، وقد أثّرت أجواء جدة الانفتاحية في شخصية الشحاتة كما فعلت مع بقية أبناء جيله من الشباب في تلك الفترة، قفرأ لكبار كتاب التيارات التجديدية والرومانسية العربية في المقرّ والمهجر، وقد تأثر كثيراً بجبران خليل جبران، وإيليا أبوماضي وجماعة الديوان. وكانت رحلته إلى الهند، وقيامه بها لمدة سنتين، مبعوثا لمباشرة الأعمال التجارية لإحدى البيوتات التجارية الجداوية منعطفا تاريخيا في حياته، حيث انكب فيها على تعلّم اللغة الانجليزية والتزود بالمعارف والاطلاع على الإنتاج الأدبي البريطاني والاستعماري.
ذاع صيت الشحاته في المشهد الثقافي بالحجاز في محاضرة مطولة وشهيرة ألقاها في خمس ساعات متواصلة في جمعية الإسعاف الخيري بمكة المكرمة في عام 1938م، حيث عنونها بـ(الرجولة عماد الخلق الفاضل) بدلاً من (الخلق الفاضل عماد الرجولة) الذي اختارته الجمعية عنواناً لمحاضرته ولم يتقيد به، في مشهد أثار به فتى الثلاثين ربيعاً فضول واندهاش شيوخ ومثقفي مكة من بلاغته ونمط تفكيره، حتى أن الحضور كانوا قد صفقوا له أكثر من 30 مرة دلالة على ما حمله خطاب الشحاته من أبعاد فكرية ومضامين فلسفية وإجادات لغوية جاءت باكرة.
كان شديد النفور من الشهرة وحريص على العزلة من المشهد الثقافي على الرغم من إجماع أقرانه على ريادته وعبقريته وتقديمهم له. عُد شعره ونثره -من قبل النقاد- كطليعة الأدب الحجازي، ضمن الرعيل الذي ضم إلى جانبه إبراهيم فلالي ، وحسين عرب، وآخرون. ترك من خلفه مدرسة أدبية وفكرية عريضة في الحجاز، وكان أشهر المتأثرين به، جيل الكبار، أحمد قنديل، عبدالله عبدالجبار، عزيز ضياء، محمد حسن فقي، عبدالله الخطيب، حسن القرشي، محمد عمر توفيق، عبدالمجيد شبكشي، حتى الأجيال اللاحقة، عبدالفتاح أبومدين، محمد سعيد طيّب، عبدالحميد مشخص، عبدالله خياط ، عبدالله الجفري، عبدالله نور، ومحمد صادق دياب، وغيرهم.
رحل إلى القاهرة ساخطاً على أحوال البلد عام 1944م ، وهو ذات التاريخ الذي توقف فيه توقفاً تاماً عن نشر أي إنتاج أو أدب، كما لم يشأ قط التواصل مع أدباء مصر على رغم عز الأدب في مصر في تلك الفترة، ورغم كل المحاولات التي قام بها عبدالله عبدالجبار وعبد المنعم خفاجي من تقديمه لأدباء مصر. إلا أن الإباء كان سمة من سمات الشحاته الواضحة. عاش في مصر منعزلاً في شقته صارفا اهتمامه في آخر سنواته إلى تربية بناته الخمس وتعليمهم، والكتابة والتلحين دون نشر أو تسجيل. فقد البصر قبل وفاته. توفي عام 1972م في القاهرة، ودفن في مكة المكرمة في مقبرة المعلاة، عن عمر يناهز 64 عاماً.
من مؤلفات ومنتجاته:
• – (رفات عقل) – نثر فلسفي رائد.
• – ( حمار حمزة شحاتة ) – نثر فلسفي .
• – (الرجولة عماد الخلق الفاضل) – محاضرة أخلاقية ونهضوية 1938م.
• – (الى ابنتي شيرين) – تحفة في أدب الرسائل الرومانسية.
• – ( المجموعة الشعرية الكاملة) أو ( ديوان حمزة شحاتة ) – وقد جمعها محمد علي مغربي وعبدالمجيد شبكشي ، وهي في طور الطبعة التسويقية الجديدة.
• – (غادة بولاق) – ملحمة شعرية كتب مقدمتها الناقد المصري مختار الوكيل.
• – ( شجون لا تنتهي ) . – من مطبوعات دار الشعب / القاهرة.
• – اضافة إلى العديد من القصائد والأعمال النثرية الفلسفية والآراء الفكرية التي لاتزال مخطوطة ، كانت موزعة لدى أشخاص محمد نور جمجوم وعبدالحميد مشخص ومحمد علي مغربي ومحمد سعيد بابصيل، وقد تعهدت ابنته مؤخراً بطباعتها .
• – من أجود شعر الشحاتة قصيدة بعنوان (المعاناة) .. وقصيدة شهيرة في وصف مدينة جدة، تتزين إحدى ميادينها بمطلع القصيدة الذي يقول:
النهى بين شاطئيك غريق
والهوى فيك حالم ما يفيق
ورؤى الحب في رحابك شتى
يستفز الأسير منها الطليق
شحاته في عيون الآخرين
كُتب في مسيرة الشحاته النضالية والريادية العديد من التراجم لعل أشهرها
كتاب عزيز ضياء ( حمزة شحاتة قمة عرفت ولم تكتشف)،
وكتاب ((حمزة شحاتة.. ظلمه عصره)) للأديب عبدالفتاح أبومدين.
كما امتلأت المكتبة النقدية بالدراسات النقدية حول شعره وخصائصه، مثل كتاب الدكتور عبدالله الغذامي (الخطيئة والتكفير) والمنشور عام 1983م، إضافة إلى كتاب الدكتور عاصم حمدان ((قراءة نقدية في بيان حمزة شحاتة الشعري)) والذي كتب مقدمته رائد النقد الحديث بالسعودية الأديب عبدالله عبدالجبار، إضافة إلى العديد من الدراسات والمقالات النقدية. كما كرمه مؤخراً (عام 2006) الملتقى السادس لقراءة النص بنادي جدة الأدبي الثقافي تحت رعاية وزير الثقافة والإعلام السعودي إياد مدني، في احتفالية وظاهرة نقدية كبيرة امتدت إلى خمسة أيام. وتتجه الجهات الثقافية الرسمية إلى إعادة طباعة منتوجه الفكري والأدبي.
من أقوال حمزة شحاتة من خطبته الشهيرة “الرجولة عماد الخلق الفاضل” :
– «الرذيلة لا تنتصر إلا متى كان صوتها قويا، وصوتها لا يكون قويا إلا إذا نفخت في بوق الفضيلة».
– «كانت القوة في الرجل مصدر الإعجاب والتقديس، والقوة ما تعرف الهوادة في تأمين سبيل حياتها ومطالبها».
من أشهر قصائده قصيدة “سطوة الحسن” :
وتهيأت للسلام ولم تفعل فأغريت بي فضول رفاقي
هبك أهملت واجبي صلفا منك فما ذنب واجب الأخلاق
بعد صفو الهوى وطيب الوفاق
عزّ حتى السلام عند التلاقي
يا معافى من داء قلبي وحُزني
وسليماً من حُرقتي واشتياقي
هل تمثَّلتَ ثورة اليأس في وجهي
وهول الشقاء في إطراقي؟
ويقول :
سطوة الحسن حللت لك ماكان حراما فافتن في إرهاقي
أنت حر والحر لايعرف القيد فصادر حريتي وانطلاقي
اللحظات الأخيرة تذكر إحدى بنات الشاعر الراحل حمزة شحاتة اللحظات الأخيرة في حياة الشاعر فتقول : في يناير من عام 1970 كانت القاهرة تتميز بالبرودة والأجواء عامة شديدة الاحتقان سياسياً واقتصادياً، الأفق في عمومه كان ملبداً، ويبدو أن الشاعر الراحل حمزة شحاتة لم يكن قادراً على التحمل فقد كفاه الاغتراب، وتحمل مرض السكر مبكراً، وامتدت تأثيراته إلى القلب والشرايين، وعند احتقان الجو ثارت الزائدة الدودية، مما اضطره لإجراء عملية جراحية، فدخل مستشفى المواساة، وهناك حدثت الوفاة بعد أن رفض السكري التئام الجرح.
فحمل جثمانه رحمه الله إلى مكة المكرمة مسقط رأسه ليدفن فيها 1972م. هكذا تروي زلفى صغرى بنات شحاتة الخمسة الأيام الأخيرة لحياة والدها وهي التي اقتربت منه في آخر أيامه، معترفة أنه كان أباً كأي أب، لكنه كان أباً في شخصية مهابة ، لا تتكلم كثيراً، ولا تلتفت لذاتها، وهذا ما يفسره بعض دارسي أدبه على أنه عزلة.
المصدر
فلم وثائقي: مما جرى في بطحاء مكه: قصة حمزة شحاته