
الشيخ ملا محمد سفر بن محمد الكولابي
السيرة الذاتية
هو ملا محمد سفر بن محمد بن السيد محمد هارون الحسيني الكولابي البخاري, العالم الورع الزاهد .
مولده وأسرته
ولد رحمه الله في بلدة (كولاب ) شرقي بخارى ماوراء النهر سنة 1273هـ , ومن لايعلم عن بخارى وما أنجبته من فطاحلة العلوم , وقد أثروا المكتبة الإسلامية بتراثهم .
اقول وقد اشتهرت أسرة المترجم له بالشرف بين المدنيين , ونسبهم يرجع إلى السبط الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام , كما أخبرني بذلك أحد أفراد الأسرة.
صفاته وأخلاقه
يقول عنه الدفترار : رجل من العلماء الزهاد الورعين الذين سلم المسلمون من يده ولسانه , دعوته المفضلة : دعوة الرسول علي الصلاة والسلام ( اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين ) , كان رحمه الله نموذجاً في البعد عن الدنيا وزخرفها .
دارسته
بدء الشيخ ملا سفر دارستة بحفظ كتاب الله وتجويده , وبرع في حفظه وتجويده , ثم التف بعد ذلك إلى علوم العربية وآدابها , دارسة مستفيضة ظهرت عليه وميزته , و تنامت فيه الملكة الأدبية والقريحة الشعرية , يقول الدفترار : وظهر أثر ملكته حينما درس الأدب بالمدينة الشريفة ؛ ثم أخذ يدرس العلوم الدينية علماًعلما ابتدأ فيها بالمتون يحفظها ثم يشرحها بشروحها المشهور , فحفظ كنز الدقائق , ودرس شروحه, حتى أصبح حجة في المذهب الحنفي , ثم عكف على حفظ شيء من الحديث الشريف , ودرس التفسير دراسة عميقة , وغير ذلك من العلوم , حتى نال الإجازات من شيوخه , فنال منهم الإجازة العامة في التدريس , واعتبروه حجة في المذهب الحنفي , فتصدر للتدريس في بلدته , والتف حوله طلبة العلم يتزودن من علمه .
هجرته إلى المدينة
كان للشيخ ملا سفر المكانة المعلومة في بلدته فكان رحمه الله من المقدمين , أصحاب الرأي والتقدير , لكنه كان عاقداً في نفسة الهجرة إلى المدينة من أجل الله ورسوله , فكان رحمه يعمل بيده , فأخذ يعمل ليل نهار من أجل توفير المال, ليكفيه في طريقة إلى دار الهجرة , وكان له ما تمنى , ففي سنة 1318هـ , خرج من بلده قاصداً البيت العتيق , فوصل إلي مكة بعد معاناة , فأدى فريضة الحج , ثم قصد المدينة لايحمل إلا العلم والحب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم , فدخل المدينة وأتخدها سكنى له , وأصبح مدرساً في المسجد النبوي الشريف .
درسه بالمسجد النبوي الشريف
بدء رحمه الله دروسة في المسجد النبوي حال وصوله , فأخذ يقضي جل يومه في التدريس , والتف حوله طلبة العلم , وآثروه على غيره لما لمسوا فيه من غزارة علم , وزهد, وورع , فكان رحمه الله يصلي الفجر في المسجد ويمكث في روضته حتى شروق الشمس تالياً للقرآن , وبعد صلاة الإشراق يفتتح دروسه بالفقه , فإذا ختم الدرس , أخذ يدرس النحو الآجرومية مرة والألفية مرة , حتى إذا انتهى من درسه قام متجهاً إلى عمله يكد من أجل كفاية عيشة, حتى إذا كان قبل صلاة الظهر عاد إلى المسجد , وأخذ يدرس الأدب العربي والمنطق , وكان له رحمه الله درس بعد صلاة العصر يدرس فيه الحديث, وكان له رحمه الله دروس في الفرائض والوعظ وغيرها , وهكذا كان الشيخ ملا سفر يقضي جل وقته مابين التدريس وعمله ,لايذهب إلى بيته إلا بعد الصلاة الأخيرة , فقد هاجر من أجل خدمة المدينة وأهلها يرتجي حسن الأدب والجوار مع مقام الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم , وكان رحمه لله يمثل مدرسة في رجل دون ملل أو كلل , ولقد كان من خيرة مدرسي المسجد النبوي الشريف , وقد اشتهر درسه في التفسير , فكان يبتدىء به من أول رجب يدرسه بطريقة وعظية , وحلقته من أكبر حلقات المسجد لاسيما في شهر رمضان .
طلبته
لقد درس عليه كثيرون من أهل المدينة , وغيرهم من الطلاب الأغراب ,ومن أشهر من درس عليه :
الشيخ أحمد كماخي القاضي بجدة , والشيخ المحدث عمر بري المدرس بالمسجد النبوي , والشيخ القاضي أحمد بساطي القاضي بالمدينة , والشيخ حسين عزي , وإبراهيم شيرة , والأخوان صالح , وحسن خاشقجي , والشيخ عابدين حماد , والشيخ حسين أزمرلي , وغيرهم , وقد أجاز منهم بالتدريس , كالكماخي والإزمرلي والبساطي .
اعتكافه في المسجد
كان رحمه الله في العشر الأواخر من شهر رمضان يقضي تلك الإيام المباركة معتكفاً في أواخر المسجد , متقشفاً متواضعاً لله عاملاً بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وكان من حرصه وتأسيه يمتنع من الدرس إذا وجد في حلقته أحد طلابه حليق اللحية أو مخالف للسنة , وكان رحمه الله قليل الكلام, لايحب الكلام إلا في ذكرالله والعلم .
وفاته
مرض الشيخ ملا سفر في آخر حياته ,وانقطع عن دروسه أسبوع, ثم توفى بذلك سنة 1335هـ, عن عمر يناهز الثانية والستون , ودفن ببقيع الغرقد , وقد حضر جنازته القائد فخري باشا , وبعض رجالات الدولة في موكب حافل , وقد أعقب الشيخ ملا محمد سفر بن محمد أربعة رجال هم : السادة : عبدالقيوم بن ملاسفر , له أولاد منهم هاشم , وعدنان , وعبدالفتاح مات عن عقب ؛ وعبدالحي بن ملاسفر له أولاد هم : خليل ,وإبراهيم , وعمر , ومحمد ؛ وعبدالله بن ملاسفر , أعقب ولد اسمه حسن مات صغير , وبنتين فأنقرض عقب عبدالله ؛ وأحمد بن ملاسفر , له أولاد منهم : عبد المجيد , وفؤاد ؛ وجميع أولاده قد لقوا وجه ربهم , إلا أني رأيت منهم السيد أحمد كان طيب الذكر , ويعرفون في المدينة اليوم ببيت سفر وهم غير بيت أبو الفرج سفر, رحم الله ذلك العالم الزاهد الورع , وجعل مسكنه الفردوس الأعلى .
المصدر
– ترجمة منقولة بتصرف من مخطوط أعلام المدنيين للشريف أنس الكتبي
– المدينة المنورة المكانة والتاريخ :الأستاذ أحمد مرشد , ص 120